الثقافة الإسلامية
خالد أسرير..
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
إن الحديث عن الثقافة الإسلامية يجعلنا نتساءل أولا ( ما هي الثقافة؟؟ )، حيث أن هذه الأخيرة إن أردنا أن نعرفها من الجانب اللغوي، فهي تحمل دلالات متعددة، حيث أن العرب استعمل مادة ''ثقف'' في عدة معاني منها ما هو معنوي، مثل: الصدق والفطنة والذكاء وسرعة التعلم وضبط المعرفة، ومنها ما هو حسي، مثل: تقويم الشيء المعوج، والتسوية والظفر بالشيء والحصول عليه، أما عند الرجوع إلى الجانب الاصطلاحي، فإن أنسب تعريف لها هو تعريف المجمع اللغوي الذي عرفه بقوله << جملة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها>> وتجدر الإشارة أولا إلى أن علماء اللغة العربية والإسلام على اختلاف تخصصاتهم في زمان الماضي لم يستعملوا كلمة ''الثقافة'' بالمعنى الواسع، ولم يقيموا علما مستقلا يسمى ب''الثقافة''، إنما جاء التعبير بهذه الكلمة وليد الأبحاث والدراسات الحديثة التي أطلع المسلمون من خلالها على العلوم والفلسفات الغربية، فاقتبسوا منها العديد من المسميات التربوية، نظرا لهذا كله فإنه لم يوجد حتى الآن تعريف محدد متفق عليه لمصطلح '' الثقافة الإسلامية '' إنما هي اجتهادات بعض العلماء والمفكرين، ومن هنا فقد تعددت التعريفات لهذا المصطلح، حيث عرفه البعض بأنه << العلم بمنهج الإسلام الشمولي في القيم والنظم والفكر ونقد التراث الإنساني فيها >>، وقد استنتج البعض أن التعريف الذي قدمناه هو أقرب تعريف إلى الصواب، حيث أنه يشمل موضوع الثقافة الإسلامية الرئيسية.
إن الثقافة الإسلامية التي تتميز بتعددها، ثقافة يتميز بها الإسلام الذي بعث لينقل ركنا مركزيا مم الثقافة إلى البشرية بل إلى العالم، وهذه هي الخاصية الأولى، وهي الشمول حيث أن الله تعالى قال: ( إن هو إلا ذكر للعالمين )1، فهي ثقافة العالم حيث أنها جاءت لتكون الوحيدة الصالحة للبشرية، ولذلك سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدعوة من بدأ بهم من عشيرته الأقربون، ثم قومه فسائر العرب، بل خاطب الأمم والشعوب، إذ أنها تصلح للجن أيضا، وقد دل قوله تعالى على ذلك: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولمن نشرك بربنا أحدا)2، وقد تكفل الله بنشر هذه الثقافة، وفي حديث ابن عباس ما يدل على أن الإسلام سينتشر في جميع أنحاء العالم، حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << رأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب>>3، إن هذا الانتشار الواسع للثقافة الإسلامية جاء في خام كل الثقافات، فسيادة وظهور هذه الثقافة على جميع مميزاتها وخصائصها في عصرها الأول عندما
قام بها أهلها حق القيام، وهذا مما يدل على صديق الوعد بظهورها في الآخرين على سائر الملل، وذلك إذا سرنا على نفس الطريق، فتحقق الوعد الإلهي وبظهورها وقبولها بحمد الله على نطاق واسع، وإذا تأخرنا عنها، فبشائر الحاضر بحمد الله حاضرة شاهدة، فعجلة الدعوة رغم النكوص والعراقيل والحواجز فإن دعوة الإسلام مستمرة وفي تحسن مستمر، والناس يدخلون يوما بعد يوم في دين الإسلام، رغم ضعف الآلة الإعلامية والمقومات المادية الأخرى، ومن البشائر أيضا أن ليس هناك مكان في العالم يخلوا من مسلم، وهذا يدل على انسجام دعوة الإسلام وثقافته مع كافة المجتمعات، وعلاجها لظروف أي زمان ومكان، ليس هذا بتنظير علمي بل واقع عملي، وهذه هي خاصية الواقعية التي تميزت بها، إن هذا لا يعني أن دعوة الإسلام خاضعة للتشكل كالعجين أو الطين يلعب بها الصبيان فيصوروها كيف شاءوا، فهذه هي خاصية الثبات التي تتميز بها الثقافة الإسلامية، والمطلوب فقط من أرادها هو أن يشرب من المنبع الصافي الذي شرب منه الصدر الأول، فالواجب إذن أن نؤدي ما علينا من تبليغ دعوة الله، فنأخذ بالأسباب المادية، ونضع الخطط والبرامج والإستراتيجية، وقد كفل الله القبول والعالمية، أما عند الحديث عن الثقافة الوافدة، فيها حق وخيرا وباطل وشرا، والمطلوب ألا نقبل شيئا حتى يخضع للشريعة ونرضى بحكمها. إن في سنة نبينا تقرير لهذا المنهج، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم، استفاد من ثقافة الفرس يوم حفر الخندق، وبالمقابل نبذ ثقافات وافدة، ومنها الشطرنج.. مثلا، إذن فينبغي للمسلمين أن يعيدوا الدراسات ويقيموا الثقافات من حولهم حتى يميزوا حقها من باطلها، وفقا لضوابط الشرع، وأول ذلك بتقرير الثقافة الإسلامية في نفوس ذويها، وإن أكبر ما تميزت به هذه الثقافة والخاصية الأساسية هي أنها من عند الله تعالى، يقول جل علاه: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)4.
1: سورة ''ص'' الآية 87
2:سورة ''الجن'' الآية 1،2
3:صحيح البخاري
4:سورة ''آل عمران'' الآية 85
خالد أسرير..
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
إن الحديث عن الثقافة الإسلامية يجعلنا نتساءل أولا ( ما هي الثقافة؟؟ )، حيث أن هذه الأخيرة إن أردنا أن نعرفها من الجانب اللغوي، فهي تحمل دلالات متعددة، حيث أن العرب استعمل مادة ''ثقف'' في عدة معاني منها ما هو معنوي، مثل: الصدق والفطنة والذكاء وسرعة التعلم وضبط المعرفة، ومنها ما هو حسي، مثل: تقويم الشيء المعوج، والتسوية والظفر بالشيء والحصول عليه، أما عند الرجوع إلى الجانب الاصطلاحي، فإن أنسب تعريف لها هو تعريف المجمع اللغوي الذي عرفه بقوله << جملة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها>> وتجدر الإشارة أولا إلى أن علماء اللغة العربية والإسلام على اختلاف تخصصاتهم في زمان الماضي لم يستعملوا كلمة ''الثقافة'' بالمعنى الواسع، ولم يقيموا علما مستقلا يسمى ب''الثقافة''، إنما جاء التعبير بهذه الكلمة وليد الأبحاث والدراسات الحديثة التي أطلع المسلمون من خلالها على العلوم والفلسفات الغربية، فاقتبسوا منها العديد من المسميات التربوية، نظرا لهذا كله فإنه لم يوجد حتى الآن تعريف محدد متفق عليه لمصطلح '' الثقافة الإسلامية '' إنما هي اجتهادات بعض العلماء والمفكرين، ومن هنا فقد تعددت التعريفات لهذا المصطلح، حيث عرفه البعض بأنه << العلم بمنهج الإسلام الشمولي في القيم والنظم والفكر ونقد التراث الإنساني فيها >>، وقد استنتج البعض أن التعريف الذي قدمناه هو أقرب تعريف إلى الصواب، حيث أنه يشمل موضوع الثقافة الإسلامية الرئيسية.
إن الثقافة الإسلامية التي تتميز بتعددها، ثقافة يتميز بها الإسلام الذي بعث لينقل ركنا مركزيا مم الثقافة إلى البشرية بل إلى العالم، وهذه هي الخاصية الأولى، وهي الشمول حيث أن الله تعالى قال: ( إن هو إلا ذكر للعالمين )1، فهي ثقافة العالم حيث أنها جاءت لتكون الوحيدة الصالحة للبشرية، ولذلك سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدعوة من بدأ بهم من عشيرته الأقربون، ثم قومه فسائر العرب، بل خاطب الأمم والشعوب، إذ أنها تصلح للجن أيضا، وقد دل قوله تعالى على ذلك: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولمن نشرك بربنا أحدا)2، وقد تكفل الله بنشر هذه الثقافة، وفي حديث ابن عباس ما يدل على أن الإسلام سينتشر في جميع أنحاء العالم، حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << رأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب>>3، إن هذا الانتشار الواسع للثقافة الإسلامية جاء في خام كل الثقافات، فسيادة وظهور هذه الثقافة على جميع مميزاتها وخصائصها في عصرها الأول عندما
قام بها أهلها حق القيام، وهذا مما يدل على صديق الوعد بظهورها في الآخرين على سائر الملل، وذلك إذا سرنا على نفس الطريق، فتحقق الوعد الإلهي وبظهورها وقبولها بحمد الله على نطاق واسع، وإذا تأخرنا عنها، فبشائر الحاضر بحمد الله حاضرة شاهدة، فعجلة الدعوة رغم النكوص والعراقيل والحواجز فإن دعوة الإسلام مستمرة وفي تحسن مستمر، والناس يدخلون يوما بعد يوم في دين الإسلام، رغم ضعف الآلة الإعلامية والمقومات المادية الأخرى، ومن البشائر أيضا أن ليس هناك مكان في العالم يخلوا من مسلم، وهذا يدل على انسجام دعوة الإسلام وثقافته مع كافة المجتمعات، وعلاجها لظروف أي زمان ومكان، ليس هذا بتنظير علمي بل واقع عملي، وهذه هي خاصية الواقعية التي تميزت بها، إن هذا لا يعني أن دعوة الإسلام خاضعة للتشكل كالعجين أو الطين يلعب بها الصبيان فيصوروها كيف شاءوا، فهذه هي خاصية الثبات التي تتميز بها الثقافة الإسلامية، والمطلوب فقط من أرادها هو أن يشرب من المنبع الصافي الذي شرب منه الصدر الأول، فالواجب إذن أن نؤدي ما علينا من تبليغ دعوة الله، فنأخذ بالأسباب المادية، ونضع الخطط والبرامج والإستراتيجية، وقد كفل الله القبول والعالمية، أما عند الحديث عن الثقافة الوافدة، فيها حق وخيرا وباطل وشرا، والمطلوب ألا نقبل شيئا حتى يخضع للشريعة ونرضى بحكمها. إن في سنة نبينا تقرير لهذا المنهج، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم، استفاد من ثقافة الفرس يوم حفر الخندق، وبالمقابل نبذ ثقافات وافدة، ومنها الشطرنج.. مثلا، إذن فينبغي للمسلمين أن يعيدوا الدراسات ويقيموا الثقافات من حولهم حتى يميزوا حقها من باطلها، وفقا لضوابط الشرع، وأول ذلك بتقرير الثقافة الإسلامية في نفوس ذويها، وإن أكبر ما تميزت به هذه الثقافة والخاصية الأساسية هي أنها من عند الله تعالى، يقول جل علاه: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)4.
1: سورة ''ص'' الآية 87
2:سورة ''الجن'' الآية 1،2
3:صحيح البخاري
4:سورة ''آل عمران'' الآية 85




0 التعليقات :
إرسال تعليق